وفي المنطقة العربية، حاول الباحثون دراسة المحتوى الإعلامي الموجه خصيصاً للنساء من خلال المجلات وبرامج الأسرة والمرأة، والإعلانات التجارية، وغيرها، واستنتجوا ان المرأة لا تحظى بصورة مشرقة في وسائل الإعلام العربية، حيث تصور في معظم الأحيان بأنها مخلوق ضعيف، ومعتمد في بقائه على الرجل، ويهتم بقشور الأمور دون جوهرها، وغير ذلك.
وقد لاحظ تقرير اللجنة العربية لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي أنه ورغم أن النساء يمثلن نصف سكان البلاد العربية، فهن يعاملن كأقلية لا حول لها ولا قوة، و يتحملن وطأة الفقر والبطالة والجهل أكثر مما يتحمله النصف الآخر، وتتحمل وسائل الإعلام جزءاً من المسؤولية في تكريس هذه الأوضاع داخل المجتمعات العربية نتيجة تأثر الرأي العام بالصورة التي تقدمها هذه الوسائل عن المرأة وترسيخها في الأذهان، فهي لا تقتصر على السكوت على الوضع المختل وإبقائه على حاله، بل تزيد في تعميق هذا الاختلال. ويلاحظ ان القصص في الصحف والمجلات والمسلسلات والتمثيليات في التلفزيون والإذاعة، جدية كانت أم فكاهية، تصور المرأة غالباً على أنها تستهين بذاتها وتتوكل على غيرها، ويعوزها المنطق، وتؤمن بالخرافات، ولا تتحكم في عواطفها. وفي الإعلانات، يتم تصوير النساء على أنهن إما ربات بيوت ينحصر اهتمامهن بالاحتياجات المنزلية أو عنصر إغراء جنسي يضفي على البضاعة المعروضة جاذبية أكثر للإيحاء باقتنائها. كما لاحظت دراسة الدكتورة عواطف عبد الرحمن (1994) ان وسائل الإعلام تتجاهل الموضوعات التي تعكس التطور الذي طرأ على وضعية ومكانة المرأة، وهناك إهمال لقيمة المشاركة السياسية والعمل النقابي للمرأة، واهتمام محدود بقضية محو الأمية، وتجاهل هموم الغالبية العظمى من النساء في المناطق الفقيرة.
ومن خلال دراسة اعتمدت أسلوب تحليل المضمون واستفتاء محررات الصفحات النسائية في الصحف المصرية اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (1995)، تبين ان موضوعات الأزياء والموضات تحتل موقعا رئيسا في الأبواب النسائية في الصحف، على حساب المرأة ربة البيت، وهو وضع يتوجه للمرأة من الطبقة الوسطى في المدن ويتجاهل المرأة الريفية فضلا عن نساء الطبقات الفقيرة، وهناك اهتمام واسع بموضوعات التجميل وفنون المكياج التي تصل إلى موضوعات معقدة طبيا وباهظة الكلفة، وغلب على معالجة الموضوعات الاجتماعية الطابع الخيري المبتعد عن قضايا السياسة والاقتصاد، فضلا عن قضايا السياسة الخارجية والسياسة الدولية، وترسم الأبواب النسائية في المجلات صورة المرأة المهتمة بأناقتها وشكلها وإطلالتها، تليها المرأة المهتمة بقضايا المجتمع، متواكبة مع صورة الأمومة. وتتوجه للنساء الناضجات، ولا تحظى المراهقات سوى على حيز ضيق من الاهتمام، وترتفع نسبة المساحات المخصصة للإعلانات التي تدور حول مستحضرات التجميل والأزياء والسلع التي تساعد على تثبيت وتكريس صورة الأنثى التقليدية للمرأة، ومنها ما يثير التطلعات الاستهلاكية وخاصة من السلع الأجنبية المستوردة، وكذلك نجد الاهتمام بتفسير الأحلام وقراءة الطالع والحظ والحوارات مع نجوم السينما والمجتمع، أما الجرائد اليومية، فتولي اهتماما أكبر لتوسيع دائرة اهتمام المرأة من خلال الاخبار عن أنشطتها خارج الحدود، وتتابع أنشطتها في المدن الصغرى، وقد أجمعت المحررات اللواتي خضعن للاستفتاء على أهمية إعطاء الأولوية لموضوعات مشاركة المرأة في الحياة السياسية. ورأت دراسة أخرى حول صورة المرأة في الإذاعة والتلفزيون أن مفهوم الذات عند المرأة يغلب عليه الجانب السلبي الذي يشكل بدوره صورة المرأة التي تفتقر إلى العقلية العملية، ومن ثم القدرة على التخطيط، وافتقار المرأة إلى هوية مستقلة حيث تصور في الدراما على أنها جزء من بيت الزوجية، ولا يكتمل دورها إلا بالإنجاب وهي تسقط فريسة للضعف ان لم يكن للضياع إذا خسرت الرجل أو اعتراها الوجل الذي يصيب المرأة من التقدم بالسن أو الإصابة بالعجز، وهو أمر منطقي بحكم سيادة الدور المرسوم لها، حيث ان الصورة الغالبة للمرأة هي أنها الكائن الجميل الفاتن.
وفي كتابه الصادر حديثاً (2001)، يضع الدكتور محمد قيراط أمام المرأة مجموعة من التساؤلات التي تفي، لو أجيب عليها بدقة، بالإجابة على تساؤلات إشكالية المرأة والإعلام بقوله (يا ترى ما هي قصة المرأة العربية مع المعادلة الإعلامية؟ وما هو موقعها داخل المؤسسة الإعلامية سواء كقائمة بالاتصال أو كمسؤولة أو كمديرة؟ وما هي نسبتها مقارنة بالرجل، وهل هذه المهنة الاستراتيجية تقتصر على الرجال فقط، والمهام التي تعطى فيها هل هي مهام ثانوية تهميشية تكون في معظم الأحوال للديكور والجماليات أكثر من أي شيء آخر، من جهة آخرى، نتساءل عما فعلت المرأة العربية بمهنة الصحافة النبيلة، وهل استطاعت الإعلامية العربية ان تعبر عن إنجازاتها ونجاحها وأن تسهم في تشكيل رأي عام يعي همومها ومشاكلها ويفهمها ويفهم دورها في المجتمع؟ ماذا عن الصحافة النسائية؟ وماذا عن المجلات النسائية في وطننا العربي؟ هل هي مجلات ماكياج وعطور وزينة، أم صورة طبق الأصل للمجلات الغربية؟ (7).
وتتناول دراسة بعنوان (المرأة العربية، الوضع القانوني والاجتماعي)، (
نتائج دراسات ميدانية لوضع المرأة وواقعها في ميادين عديدة منها الواقع المهني الإعلامي، والتي كان من نتائجها (ان البرامج الإذاعية والتلفزيونية ترتكز على جانب واحد من حياة المرأة كزوجة وأم وأنثى، فتهتم بالموضة والأزياء وجمال جسدها وكيفية رعايتها لطفلها ومعاملتها لزوجها ..) كما تعيب الدراسة على (الإعلام المسموع والمرئي اقتصاره على الاهتمام بشريحة واحدة من النساء، أي الشابات المتعلمات تعليما متوسطا واللواتي ينتمين إلى الطبقات المتوسطة أو الغنية والمقيمات بالمدن وخاصة المدن الكبرى) (9).
ومن الدراسات القليلة التي تناولت الأنثى (الطفلة الأنثى بشكل تفصيلي دراسة معمقة بعنوان : - الإعلام المصري ومشكلات الطفلة الأنثى-، حيث تتوصل الباحثة فيها إلى أنه، وكما أوردتها نتائج الدراسة، فبالرغم من ان هناك العديد من الجهود التي تبذل من أجل رعاية الطفولة وتنمية المرأة في مصر، إلا أن الفئة العمرية من الفتيات من سن صفر حتى الـ 18 عاما (والتي تشكل حوالي 15٪ من مجموع سكان مصر) طبقا لآخر تعداد سكاني، 1996 لم تحظ بأي اهتمام، ولم تنل ما تستحقه من الرعاية سواء من جانب التشريعات القانونية أو التربوية، أو الباحثين في مجالات علوم الاجتماع أو من وسائل الإعلام، سواء منها المقروء والمرئي والمسموع، ولا تزال الموروثات الثقافية التي تكرس فكرة النقص الأنثوي والرؤية المتدنية للمرأة تؤثر بصورة سلبية على أوضاع الفتاة المصرية وبخاصة داخل نطاق الأسرة، حيث ينفرد الآباء أو الأشقاء أو الأبناء بصورة شبه مطلقة بكافة القرارات التي تحدد مصير الفتاة منذ طفولتها، ويتجلى ذلك بصورة ساطعة في المناطق الريفية والأحياء الشعبية العشوائية في المدن. وقد كشفت الدراسات التي أجريت عن اوضاع الفتاة المصرية في الفئة العمرية من 12 – 18 سنة عن وجود فجوة كبيرة بين الفتى والفتاة في جميع المجالات بلا استثناء، وبصفة خاصة في النواحي التعليمية والصحية والاجتماعية والتثقيفية، وعلى الاخص الثقافة الجنسية. وقد ركزت الدراسة على مظاهر العنف ضد الطفلة الأنثى، والتي تبدأ منذ ولادتها، وتتمثل في التفرقة في المعاملة بينها وبين الولد، وتفضيله عليها في مجالات التغذية والترويح والتعليم والرعاية الصحية، كذلك تناولت الدراسة مظاهر العنف المجتمعي ضد الطفلة الأنثى والتي ينتج عنها جميع المآسي التي تحاصر الطفلة الانثى، وتقودها إلى الجريمة والضياع وتشمل الإذلال والإهانة وسوء المعاملة داخل البيت والتعرض للاستغلال الجنسي، سواء داخل المنزل من المحارم والأقرباء أو خارج المنزل من الغرباء وخصوصا في الطبقات الفقيرة .... ثم أفاضت الدراسة في التأكيد على حساسية وعدم توازن الصورة الإعلامية للطفلة الأنثى. وقد رصدت مساحات التجاهل والاهتمام الذي تحظى به الطفلة الأنثى من الإعلام المصري مشيرة إلى مواقف الإعلاميين المصريين من قضايا وهموم الطفلة الأنثى وأسباب التجاهل الإعلامي الذي كشفت عنه الدراسات. وقد توصلت الباحثة إلى العديد من مظاهر العنق الأسري ضد الطفلة الأنثى بقولها إن (مجتمعاتنا العربية التي تضطهد المرأة لكونها أنثى منذ ولادتها إلى رحيلها عن الحياة، وضمن هذه الاضطهاد العام للمرأة هناك شريحة يقع عليها الاضطهاد مضاعفا وهي الطفلة الأنثى التي تعاني من التفرقة في المعاملة بينها وبين الذكر منذ طفولتها المبكرة، وتورد الباحثة العديد من مظاهر العنف الأسري ضد الطفلة الأنثى: تتعدد أشكال العنف الأسري ضد الطفلة تتجسد أساسا في كافة أشكال التحيز وعدم المساواة في التعامل والتربية بين الطفلة الأنثى وشقيقها الطفل الذكر، والتي تنتشر في الأسرة المصرية، والتي تبدأ ربما من اللحظة الاولى للميلاد حيث يستقبل مجيء الذكر خصوصا في الريف بالافراح والغناء، بينما يتم استقبال الأنثى بالصمت والحزن، ولعل اصدق مثل على ذلك الاغنية الشعبية المعروفة ف ي المجتمع المصري والتي تقول :
( لما قالوا لي ده ولد انشد ظهري وانصلب ولما قالوا لي دي بنية انهد ركن الدار عليه)، وتكمن إشكالية العنف الأسري في أنه ينبثق من منظومة الموروثات الثقافية ذات الرسوخ التاريخي والتي تكرس فكرة النقص الأنثوي، وتبرر وتعزز مفهوم الهيمنة ألذ كورية، وتحدد أدوار المرأة في مهمتين فقط هما تحقيق المتعة للزوج والإنجاب، أي دورها كزوجة وكأم فحسب، ومن ثم يتم تهميش الأدوار والمراحل الأخرى في حياة المرأة، وأعنى بها الطفلة والفتاة والمسنة، وانطلاقا من هذا الواقع يتحدد مفهوم الأسرة للعنف ضد الفتاة إذ يعتبر سلوكا طبيعيا لترويض الطفلة، وتهيئتها للقيام بالأدوار الاجتماعية المحددة لها سلفا.
ويشير بحث أجراه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع اليونيسيف إلى الأسباب التي تدعو الطفل إلى الانخراط في العمل حيث يبرز الفشل في التعليم والرغبة في تعلم صنعة كأهم الأسباب لدى الأطفال الذكور، بينما تبرز الحاجة إلى مساعدة الأهل والتجهيز للزواج لدى الفتيات حيث لا يعتبر تعلم صنعة من بين أولوياتهن، عكس الحال لدى الذكور، وترتبط عمالة الأطفال ارتباطا وثيقا بالعملية التعليمية والظروف الاجتماعية والثقافية المؤثرة في التعليم، فقد لوحظ في السنوات الأخيرة ان ارتفاع تكاليف التعليم قد أدت إلى ازدياد معدلات عدم الالتحاق بالتعليم أساسا، وينطبق ذلك بصورة أوضح على الأطفال الإناث أكثر من الذكور، حيث ان صعوبة توفير نفقات التعليم تفرض أولوية تعليم الذكور واستبعاد الإناث من العملية التعليمية في سن مبكرة، مما أدى إلى ظهور فئة الفتيات الصغيرات الخادمات في المنازل اللاتي لم يلتحقن بالتعليم، علما بأن هذه الفئة كانت قد اختفت في حقبة الستينات حينما كانت مجانية التعليم سائدة بالفعل. هذا وقد أسفر فشل النظام التعليمي الراهن في استيعاب جميع الأطفال عن بروز ظاهرة جديدة عرفت باسم أطفال الشوارع التي لا تزال يغلب عليها حتى الآن الطابع الذكوري، إلا بعض الاستثناءات التي تتمثل في وجود بعض الفتيات القاصرات اللاتي يعملن في التسول وبيع المناديل والزهور، ويتعرضن للتحرش الجنسي، وربما لممارسة الدعارة غير المنتظمة.